الأسباب الحقيقية للتدهور
ومما سبق – المقال السابق - ألا يكون جديرا إعادة البحث عن الأسباب الحقيقية لنخرج من مأزقنا الذى طال و سئمت منه النفس .
فى الحقيقة تلك الأسباب أو التى على شاكلتها ما هى إلا أعراض بمفهوم الطب لثلاث أسباب عضال والذى يدخل ضمن النظرية السببية وهى الأسباب التى أفضت للضياع والتناحر الذى نعيشه فى شتى مظاهر الحياة وتجليات الإنحطاط الإقتصادى والسياسى والإجتماعى والثقافى, و سأسرده بشىء من التفصيل :
1. غياب الأيدلوجية الإسلامية سواء من قبل النخبة أو المجتمع :
فأغلب الدعاة الحاليين لا يرقون إلى الدعوة للإسلام المعتدل المنفتح على العالم , المنضبط بثوابت الشرع والدين , وقد أسردت هذا بشكل تفصيلى فى سلسلة من المقالات تحت عنوان لغة التوازن , كما أن اللبس بين دور الدين فى السياسة ودور السياسة فى الدين أضاف لحالة التشتت وعدم المصداقية .
وأريد أن ألقى نظرة ثاقبة من خلال قراءة التاريخ , نهض العرب تحت مفهوم الأيدلوجية الإسلامية كسمة مميزة لتلك المنطقة بشكل خاص – نستثنى من ذلك الدول الإسلامية الأخرى خاصة فى جنوب شرق أسيا – وقد أراد الله أن يربط بين الشخصية العربية والإلتزام الدينى كسبيل للتفوق , وذلك للمسئولية القائمة على عاتقه المتمثلة فى حفظ الدين الإسلامى خاصة فى وجه الأعداء المعروفين والتقليديين فى نفس الوقت, وبالتالى فإن أى نهضة عربية بدون أيديولوجية إسلامية معتدلة وٍَِهْمٌ سيالحقنا حتى ندرك حقيقة الأمر .
كما أن العرب لم يتحد يوما إلا تحت لواء الأيديولوجية الإسلامية بمن فيهم المسيحية الأرثوذكسية والتى لم تزدهر ولن تزدهر إلا تحت لواء الإسلام .
وبالتالى فإن النتيجة لضعف الهوية الإسلامية وإستبدالها بالقومية العربية سببا أساسيا فى حالة الضياع والتناحر .
2. غياب المنهج الفكرى القائم على العلم :
وهى نتاج لعدة أسباب منها :
الموروث الثقافى وبعض العادات والتقاليد – البعض لا الكل - والسلوكيات المكتسبة الغير سليمة الممتدة عبر قرون ماضية :
والتى تكرس مفهوم الصمت , وعدم الدفاع عن الرأى وعدم قبول الأخر وإنكار التنوع ,والإنصياع لمفاهيم المجتمع مما يسقط من أى محاولة أو مبادرة للتفكير الإبداعى أو التفكير القائم على منهجية علمية والذى بدوره أدى للتبعية والإنهزامية وعدم الثقة فى النفس والتى هى من أخطر الأمراض النفسية والتى بها يسقط الإنسان فريسة لتدمير نفسه قبل أن يدمر من الخارج .
مما أدى لتكريس الإستبداد وإلغاء تواجد المجتمع فى عقل القادة الذين يتولون زمام الأمور , ومنها تدهور كافة أوجه الحياة.
3. النخبة العربية المريضة :
للأسف تلك النخبة فى بداية حياتها سقيت من المجتمع المتشكل فى السبيين السابقين , مما أدى لتشوهها , ولكن الأهم أنها إرتمت فى أحضان الغرب بإرادتها أو بدون إرادتها , بل أنها سقيت بمفاهيم وثقافات تتعارض فى كثير من الأحيان مع الخاصية المميزة للأيديولوجية الإسلامية مثل الإقتصاد الرأسمالى والقانون ومفاهيم الحكم و غيرها .
مما جعل تلك النخبة تائهة مشتته تميل للمفاهيم الغربية لتسيير الحياة بشكل عام , والمحلل لنفسية القرارت التى تصدر من حكامنا وحكوماتنا ندرك مدى الصراع الذى تعانى منه بين الواجب والواقع , بين الموروث والمكتسب , بين الأيديولوجيات المتداخلة الغير موجهه والمتعارضة فى أغلب الأوقات .
وبالتالى وبعد كل ما سبق هل هناك بديل عن تعليم متميز منفتح منضبط كسبيل لتغيير العقلية العربية . هذا هو الحل الأمثل ومن هنا سننطلق إلى باقى المقالات لرصد حالة التعليم وسبل إنتشاله من الوهن والضياع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق