المدرس
أردت من خلال هذه الحلقة أن أركز على دور المدرس المعلم المدرب, أعتقد أن المدرس لعب فى حياتى دور بارز للغاية لدرجة أستعجب فيه ان المدرس ربما يكون أبا و أما ومعالجا فى آن واحد , بل أستعجب عندما يبتسم القدر أمام طالب ولا يبتسم أمام أخر .
أردت التحدث بعيدا عن النقد الموجه للمدرسين لأنه فى المجمل محبط ومؤسف لما وصل حال المدرسين وقدراتهم للإنحطاط والتدنى .
أردت التنويه لذلك لآن القائد الذى يرعى ضميره ويخاف على بلده يعطى أولوية للتعليم ودعم المدرس بشكل كامل لأنه سينعكس على الأجيال الصاعدة .
أردت أن أسرد بعض لا كل المواقف , حتى يدرك القارىء أن المدرسين بجانب الأهل يمثلان العصب الحى لكل قائد ومفكر وعالم فى المستقبل .
وحاولت أن أوضح الأثر البالغ للمدرسين فى شخصيتى فلو تخيلنا أن هذا حدث مع واحد من كل عشر طلبة فأكيد مصر هتتغير.
بينما كنت فى 2 إعدادى وكنت وقتها لا أعرف الإنجليزية ,ولا متواصل مع باقى المواد الدراسية بشكل جيد خاصة النحو والجماليات والبلاغة, إلا أن الله أراد شيئا لما يعلم من صدق نيتى أنى أريد أن أسعد والدى وأن أكون طبيبا أساعد الناس للقضاء على ألامهم – ولم أدرك أن الألم الأكبر هو فقد الذات ثم تدمير النفس - كما كنت أحلم منذ بكارة عقلى , تعرضت فى أول أيام الدراسة للإهانة والتذنيب من 3 مدرسين بل والطرد من خارج الفصل وباقى المدرسين بالتوبيخ واللوم ولست بصدد توضيح أكثر من ذلك .
وعندما عرفوا ظروفى الخاصة , شعروا بأنهم ظلمونى بشدة وتواكب ذلك مع قصة – لست بصدد سردها فى هذا المقام - جعلتنى فى نظر المدرسة و الإدارة والمديرية الطالب الأكثر خلقا وجعل وكيل المديرية يأتى فى الطابور الصباحى بعد تعافى من الجروح ويثنى على ويهدينى شهادة تقدير من الوزارة وهدية رمزية وسقفة سباعية .
وكان رد الفعل أن هؤلاء المدرسين أعتذروا لى بشدة أمام زملائى بل هناك معلمتين قاما بتبنينى تعليميا فى مادتى الإنجليزية والعربية المدرسة ميس سهير وميس سوسن – الاسماء تعظيما لهم- , وشرعوا فى إعطائى دروس مكثفة فى منازلهم تصل إلى 20 ساعة أسبوعيا لكل مادة دون مقابل وإصرار حصولهم على تفوقى الدراسى كرد جميل.
ولم يكن من المقبول أن أنسى دور مدرسة العلوم فى ثانى إعدادى الأستاذة أمل ومدرس العلوم فى ثالث إعدادى أستاذ عصام , والذين حاولا بثقافتهما المتواضعة أن ما ندرسه شىء والعلم خارج مصر شىء أخر وأن علينا أن ننقله على الأقل ولو إنك عملت كدا يا أحمد وبقيت زمايلك هنبقى دولة قوية لأن العلم أهم شىء .
والعجب أن المدرسين أعطونى درجات زائدة عن حقى فى إمتحانات الشهر الأول, ولا أستطيع أن أصف كم ساعدنى نفسيا برغم عدم شرعية ذلك التصرف , حتى مر شهرين من بدأ الدراسة بينما لا أنام إلا 3 أو أربع ساعات والباقى إما فى المدرسة أو المذاكرة بل كنت أكل أثناء المذاكرة , شعرت بنذوة غريبة وارتياح عجيب لا أفسره إلا أنه مدد من الله بل أقول أنى بدون الله لا أساوى أى شىء كالعدم تماما .
وما مر نوفمبر إلا و حصدت على الترتيب الثانى على الفصل والمدرسة بمجهودى الذاتى , وبعدها لم يكن لأى طالب ينأى بمحادثتى , تكالب على كل الزملاء ورغبتهم فى اللعب ودخول المسابقات معهم .
لم يقف هؤلاء المدرسين عن ذلك بل قالوا لى أنك ستصبح شخصا مهما فى المستقبل لم أرى وقتها هذا فى على الإطلاق , إلا إن فحوى تلك الجمل كانت كالسحر والوقود للمذاكرة دون تملل أو ضجر والحمد لله .
وتم تتويجى الطالب المثالى على المدرسة بل وعلى الإدارة فى ذلك العام و ظل هذا التكريم حتى نهاية الثانوية العامة وامتد للمديرية والجمهورية فى سنتين .
ولا أنسى ذلك المدرس فى أولى ثانوى الذى همس فى أذناى ليقول أبنتى معجبة بك عاوزك تبقى دكتور أد الدنيا علشان أجوزهالك , ولا أنسى المعلمة التى داعبتى بقولها لو لم أكن متزوجة لانتظرتك حتى تدخل الطب وأتزوجك , كما لا أنسى مدرس النشاط الزراعى عندما قال لى أنا شايف إنك بتحب مصر على عكس زمايلك ولازم تعرف إنك مختلف وربنا هيشهد على لما أقلك إنت الوحيد من ساعت ما درست أشوفه بيحب بلده بالشكل ده – لم أكن أعرف على أى أساس إستنتج ذلك – إلا أن كل هذا جعلنى فى غاية الفخر بنفسى والإحساس بأنى مهم وأنى هغير مش مصر بس ولكن العالم , وساعدنى قراءات بعض الأشخاص أمثال الدكتور مصطفى محمود على تبلور ذلك الفكر بداخلى , كل ذلك جعلنى لا أرى مسارا غير الطب حتى أنى حزمت أمرى فأخذت الأحياء من 2 ثانوى بحيث لا أجعل للشك أدنى سبيل.
ولا أنسى تلك المدرسة العظيمة لمادة الإنجليزية المعلمة سهير عندما قالت لى فى نصف أولى ثانوى هنا مش هعرف أفيدك أكثر ويبقى عليك إن تروح للمدرس الفلانى علشان تحافظ على تفوقك , تلك المدرسة التى ما زالت على إتصال بها حتى يومنا هذا والتى أكن لها كل الشكر والتقدير .
ولا انسى معلمتى الفضيلة رضا التى أثرت خيالى بشحذ همتى بل يمكن أن تقول أنها كانت أما ولا انسى عندما حدث لى وعكة صحية فى شهرى مارس و ابريل وقعدت فى المنزل وذلك قبل إمتحانات 3 ثانوى وقفتها بجانبى بل لا أنسى أنها أحتضنتنى أمام والدى وفى المدرسة بعد رجوعى فى شهر مايو ولا أنسى ذلك أيضا عندما قابلتها صيف عام 2009.
لا أنسى أن المدرسين ومديري المدارس التى مررت عليها ومدير الإدارة يأتى إلى البيت ومعهم قوافل من زملائى ليطمئنوا على بالهدايا , حتى أن الشهرين لم يمض يوما إلا وهناك زيارة حتى أدمع والداى وكم كنت سعيد لأن والدى كانوا سعداء وأدركت أهميتى وأنه من غير المقبول التنازل عن أعلى الدرجات برغم عدم دراستى طوال شهرين الذى يسبقان الأمتحان الثانوية العامة.
ولم يختصر على ذلك بل بادروا مدرسينى أن أتوا لبيتى حتى يعطونى ما فات , حتى أن هناك فتاة - بنصيحة موجهة من إحدى المدرسات - كتبت لى كل الدروس والأسئلة والأجوبة فى كافة المواد التى كنت أحضرها ومنها الفيزياء والكيمياء برغم من كونها فى القسم الأدبى أثابها الله على ما فعلت وما فعلوا وأنا فى إنتظار اليوم الذى أرد لهم الجميل أعاننى الله على ذلك.
حتى أنى فى يوم تحاملت على نفسى وذهبت الى درس وعند عودتى تعبت بشده فحملنى صديق وزميل ما يزيد عن 300 متر وأدخلنى حتى السرير وخلع حذائى وكم أثر ذلك فيا , ولم أنسى أن مدرسة الفيزياء الأستاذة سهام قالت لى يا أحمد لو أنك اعتمدت على نفسك فربما ما تحلش كويس لكنك لو أعتمدت على ربنا هتعرف اد أيه هو هيكرمك وجرب زمش هتخسر حاجة .
.
ولا أنسى مقولة أحد المعلمين يا أحمد فى واحد بيقرأ القران يوميا ومحافظ عليه وبالتالى فعنده مخزون إيمانى ولما تحصل ليه مصيبة فإن الله يعطيه من هذا المخزون , طبق دا على دراستك إنت بتذاكر طوال السنة وبالتالى فلن يضيعك الله وحتى ولو لم تدخل الطب فربنا هو اللى عمل فيك كدا وهو أرحم من أبوك وأمك عليك , أوعدنى إنك تشكر ربنا على مرضك وتبدأ تذاكر , كانت كلمات تلامس قلبى وتتوغل فى معاقل وأروقة عقلى وكنت فى أمس الحاجة والعطش إليها حتى أنى قبلته , ولا يمكن أن لا أقبله وأقول له فى كل مرة أقابله لم ياتى اليوم بعد الذى أجعلك تفتخر بى ولكن رحمة الله عليه , ومن تلك اللحظة شعرت أن دورى هو مساندة الآخرين ودعمهم ولو بالكلمة وقلت هذا هو دورك الأساسى فى الحياة لا تنظر لنفسك لتشبعها ولكن أنظر لمن هم حولك أهلك ومجتمعك ووطنك وحاول إرضائهم .
كان ذلك أقوى درس إيمانى وعقائدى حتى انى للآن أدين الفضل لهؤلاء وغيرهم من الذين لم أذكرهم .
تعلمت معنى أن أمورك مقدرة من المولى وأنك غير قادر على فهمها إلا إذا طلبت من المولى عز وجل أن يرزقك الحكمة والبصيرة .
والأغرب أن هؤلاء لم يتعاملوا بحسهم الإنسانى والتربوى مع باقى الطلبة كما تعاملوا معى , وهنا أدركت أن ما ترسله يرجع أليك من نفس النوع والكيف .
وانى فى وقتى الحالى الذى أنى موقوف فيه عن أى إنجاز أدرك تماما ويقينا بانه خير , وأن الله سيرسل إليك وقت ما يشاء الله وما عليك إلا أن تبنى نفسك حتى تأتيك الفرصة .
وهكذا فتش فى السيرة الذاتية لكل شخص ناجح ستجد أن المدرس يمثل له حجر زاوية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق