التعليم الأجنبى
أخشى و أنا أقول كلمة خطر شديد أن أكون موفقا فى ذلك التوصيف , فنحن نبدأ بأهم قطاع والذى إذا صعد صعدت معه مصر كلها والعكس صحيح ألا وهو قطاع التعليم .
غيرتنا على بلدنا الحبيب تجعلنا مكلوبي الفؤاد مكلوبى النفس , وكلنا مطلع على التصنيفات الدولية والتى تكذب ألسنة المسؤوليين الذين ينوهون إلى الثورة التى حدثت فى التعليم والدعوة المزيفة لصانعى الحضارة الحديثة للعرب .
فى جلسة حميمة جمعتنى مع أخوتى ليس من رحم الأم و لا نسب الأب ولكن برحم الأهداف المشتركة النبيلة قال أحدنا تعليقا على من يدعو لأن يرجع التعليم لما كان فى عهده السابق من هول وتدهور الوضع الحالى - أزاى بنقول يا ريت التعليم يرجع زى زمان هو أحنا المفروض نفكر إزاى نطوره ولا نرجع للورا – قالها وأنا أعلم أن ما دار فى خلجاتى هى متوافقة مع أخوتى الباقيين من الألم الذى يعصر قلوبنا لما آلت إليه الأمور , والدورالمتوقع لكل منا وأعقبه فى ثوانى صورة خيالية لواقع تعليم مزدهر على غرار أفضل النظم التعليمية العالمية .
وهنا نسرد جانب من التخبط الذى لحق تعليمنا وهى الهجمة الشرسة للمدارس الأجنبية التى غزت الطبقة الإرستقراطية وحكوماتنا تفتح الباب عن مصراعيها , وتضرب لهم تعظيم سلام , طبعا جاء هذا وراء الفشل المتكرر والمتسارع لمنظومة التعليم , فوجدت نفسها أنها أمام نزيف من نوع جديد للثروة القومية عن طريق سفر أبنائها أصحاب القدرة المالية الهائلة للتعليم فى الخارج .
مبدئيا نحن لا نتعارض مع هذا بشرط أن يتم وضع منظومة موحدة للتعليم ذات رؤية وأهداف واضحة وموحدة , أما ما يحدث على أرض الواقع فنحن نعلم أن هناك أجيالا بدأت تخرج لا تعلم عن تاريخ بلدها أى شىء بل والأكثر من هذا لا تعرف كيف تكتب لغتها العربية الرسمية.
ناهيك عن نشء جيل مرتبط نفسيا بالعالم الأجنبى متخلى عن كل عاداته وأصوله غير عابئا بها بل مستهزءا بها , وبالتالى فهذه الدول الأجنبية صنعت إحتلالا من منظور جديد , أجيال تعيش بيننا ولائها للخارج .
كنت أسير فرأيت شبابا لا يتكلمون إلا الإنجليزية وكأنها لغة الأم ومن شذ فهو يتكلم العربية بلكنة أجنبية وبعدها وجدت أنها لم تكن ملاحظة بل ظاهرة من كثرة تكرارها ولأنى أسكن حديثا بجوار أحد تلك المدارس كانوا فى أنتظار الأتوبيس الخاص بهم فتكلمت مع مجموعة من الطلبة بالعربية فردوا بالإنجليزية.
تبادلت الحديث معهم أنا بالعربية وهم بالإنجليزية عن تاريخ مصر والمواد التى يدرسونها كارثة بكل المقاييس أقول جزء مقطع من الحديث عندما سألتهم ماذا يعرفون عن ابن النفيس ومصطفى مشرفة ومجموعة من رموز العلم القديم والحديث سألتهم عن الخديو إسماعيل والملك فؤاد والثورة الخ سألتهم عن أبسط أمور الدين لقيتهم أبيض يا ورد , تخيلوا أنهم حسبوا أن كلمة خديو تعنى اسم شخص وقالوا بمعناه العربى وبسخرية أنت لسه عايش فى فلك الماضى والعصور المتحجرة زاعمين أنهم على الطريق الصحيح , أظهرت لهم بأنى مقتنع بكلامهم لتكملة الحديث , فوجدت أنهم يطمحون بالعيش فى الدولة التى تحتضن تلك المدرسة ومن شذ فهو يريد رئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء فسألتهم عن عادات شعبيه أصيلة مثلا عربة الفول والعرقسوس بائع السميط والترمس والمواليد الخ , فأجمعوا أنهم يعرفونها من التليفزيون لا أكثر وأنهم نادرا ما يتفرجون على القنوات العربية .
لم اجد نفسى إلا اننى أمام مصريين شكلا متأمركيين متأنجليزين متفرنسيين متألمنين قلبا وعقلا ووجدانا وهكذا , بقعة زيت فى وسط بحر لا تمتزج معه ولكنها تطفو لأعلى تحجب النور عن أسفلها .
هذه جريمة جنائية شاركت فيها الأجهزة الحكومية بكل أجهزتها وأيضا أولياء أمور تلك الطلبة .
تركتهم وأنا ادعو الله أن لا تسير أمور هذا الشعب على أيدى هؤلاء فوصولهم للسلطة شىء فى غاية السهولة مع استمرار الوضع الحالى الممنهج وتدنى التعليم المقابل الغير مؤهل بتخريج كوادر منافسة .
وأحكى لكم قصة قرأتها لأن هناك من شر البلية ما يضحك , مدرس مصرى أصيل عمل حديثا بأحدى تلك المدارس فحزن لما وجد عليه الأطفال المرفهين فطلب أن يكتب أحدهم مقالا عن أسرة مصرية فقيرة وعندما أكمل الطفل وصف الأسرة الفقيرة كالآتى بأنها أسرة لا تملك إلا 4 سيارات لكنها قديمة كما أنها تملك بيتا من دور واحد وأن الحديقة مش منظمة وصغيرة وعندها كلب بلدى وقطة واحدة وأن الدادة فقيرة أوى والجناينى و الحارس فقراء أوى وان هناك طباخ واحد بس والسواق واحد وتايه بين العربيات الأربع وبيروحوا النادى مرة فى الشهر وبيسافروا لأوروبا مرة واحدة فى السنة .هذه هى الأسرة المصرية الفقيرة , آه من الآه النتيجة مصريا لا يعرف المصريين ولا لغتهم ولا تراثهم ولا تاريخهم ولا دينهم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق