من تونس " تأملات فى واقع التجربة "
ما من شك أن ما فعله الشعب التونسى مدعاة للإعجاب والتقدير , ولكن هناك الكثير من الملاحظات التى يحكم على المهتمين النظر فيها فهى المحددة للمستقبل القريب والبعيد على الساحة العربية و لتونس على وجه الخصوص :
1- أن الثورة تمت بدون قيادة - وإن كانت ميزة عظيمة تخلد فى التاريخ خاصة ونحن فى بداية القرن الحادى والعشرين - إلا أن ذلك مكمن خطورة فى ظل هذا العالم ذو القطبية الواحدة , فما من شك أن جميع الأطراف الخارجية ذات المصلحة سوف تسعى بأن تقتسم أكبر قدر ممكن من الكعكة مستخدمة علاقاتها ببعض الأطراف الداخلية :
- مما سيتولد عنه صراعات لا حد لها فى الداخل بين القيادات المتقاربة فى القوة والتى من الممكن بأن تعصف بمطالب الثورة على المدى البعيد.
- التخلى عن كل ما له علاقة بالنظام السابق – مستغلين الإنفعال الجماهيرى - وهو ما يعنى خسارة كبيرة لكثيرا من الكوادر وإهدار عظيم لكثير من الثروات التى ستتعرض للنهب فى ظل إنشغال الرأى العام بالحراك السياسى الحالى , أى يكون فى حد ذاته معطلا للتوجه الديمقراطى , فبدلا من ملاحقتهم يتم العفو عنهم بعد إعلان توبيتهم عن كل ما هو ماضى متلتزمين بتغيير المفاهيم والمبادى التى عملوا فى ظلها والعمل تحت مظلة الدستور وقوانين الدولة ومحترمين للمصالح العليا للدولة وإلا فإن التفسخ المجتمعى قادم لا محالة وستكون العواقب أسوا مما قبل .
- الإنشقاق والإنقسام حول الحكومة المؤقتة , سيزيد من وتيرة القلق وعدم الإستقرار السياسى الذى ستبعه إضطراب على كافة المستويات الإقتصادية والمالية والإجتماعية والخدمية إلخ .
2- أن الثورة لم تتم تحت أيدلوجية معينة سواء مسيحية أو إسلامية أو نخبة مثقفة أو إنقلاب عسكرى أو أمنى , أو مكيدة ما إلخ لكن تمت تحت المصلحة المشتركة أى أنها " ثورة جماهيرية " بالمعنى الشامل .
3- أن الثورة كسرت حاجز المفهوم الذى رسم عقلية المجتمع الدولى إتجاه العالم الإسلامى والعربى بإستثناء ماليزيا وتركيا ولو بشكل جزئى, إلا أن تلك الثورة ليست ضامنا كافيا للتحرك نحو الديمقراطية المستدامة وبناء إقصاد قوى ومتنوع مستجيبا للتغييرات الدولية .
4- القرارات التى تتخذها الحكومة المؤقتة تحت الضغط الجماهيرى والمطالب الدولية يجعلها قرارات تصبع بالنزعة العاطفية الإندفاعية بدلا من المتعقلة الموضوعية فمثلا العفو العام على كافة المساجين السياسيين وعودة كل المنفيين هو سبيل لمزيد من الإنشقاق – فى وقت الأمور هشة ومضطربة- , لأن كل منهم سيسعى لتعويض ما حل به ومدافعا عن رؤيته فالأغلبية منهم سجنوا من خلال المعارضة للنظام ولكن كل منهم له رؤية ليست بالضرورة متوافقة مع المطالب الجماهيرية .
5- إعادة النظر فى النظم القمعية الديكتاتورية فى العالم النامى وبالأخص فى العالم العربى :
- إن طول الإستبداد وقسوته مستغلا القوة الأمنية والقانون - المتمثل فى قانون الطوارىء وغيرها من القوانين الدستورية والإدارية وطرق التشريع ونظم الرقابة - لا تمنع من حدوث تلك الثورات .
- أن الأنظمة القمعية التى لا تترك التنفيس الإجتماعى - من خلال الإحتجاجات المحدودة ذات نطاق ضيق من المطالب الإصلاحية أو المادية - تكون أكثر النظم عرضة للغضب الجماهيرى المفاجىء لصعوبة التنبأ بمكان وزمان الشرارة الأولى والحقيقية للثورة , مما يصعب على أى نظام أخذ رد الفعل المناسب وهو ما حدث فى تونس .
- أن القائمين على النظم الديكتاتورية مهما بلغ منهم المكر والذكاء إلا أن الأوقات العصيبة يمكن أن تدفعهم لأخذ قرارات خاطئة ربما تكون هى فى حد ذاتها بداية سقوطهم – مثل ما فعله زين العابدين بإقالة ذراعه الأيمن وزير الداخلية - .
- أن الأطراف الخارجية غير معنية بحماية رعاياها , وقت ما تتأكد أن التابعين لها لم يعد يديرون الدفة بالشكل المطلوب , وهوما يذكرنا بالشاه ايران وغيرهم وأخرهم الرئيس المخلوع زين العابدين بن على , مما يعنى أن الجماهير يمكن أن يكون لها الصوت الأعلى إذا ما توحدت , وتقف القوى الخارجية - فى الظاهر - فى موقف المحايد الراعى الحامى للمطالب الجماهيرية .
- أن الخطأ الكبير يقع حينما يقوم الحاكم المستبد بتقليص دائرة المنتفعين من النظام على عائلته وصهره وبعض المقربين مما يزيد من سخط جميع الأطراف الغير منتفعة وهو ما حدث فى تونس , كما أن هذا يقلل من قوة النظام لأن هؤلاء هم أول من سيبادرون بالهروب حرصا على مصالحهم الخاصة .
- أن الحزب الحاكم والذى يتفشى بسببه المحسوبية و الفساد بكافة أشكاله , يكون أول قبله تعصف به أى تغيير فى الواقع السياسى , ولهذا السبب تجد القائمين عليه يوجهون الجزء الأكبر من إستثماراتهم للخارج تعبيرا للخوف والقلق الدفين من المستقبل وبمستقبل ذويهم .
- أن ذلك الحزب يجمعه ويشكل اتجاهه هو جلب المصالح الخاصة , أى ليس له قاعدة فكرية أو حجة سياسية أو إنتماء – مما يجعله كالرماد يتفكك مع أول عاصفة حقيقية .
تتمة المقال فى الصفحة1.2
ما من شك أن ما فعله الشعب التونسى مدعاة للإعجاب والتقدير , ولكن هناك الكثير من الملاحظات التى يحكم على المهتمين النظر فيها فهى المحددة للمستقبل القريب والبعيد على الساحة العربية و لتونس على وجه الخصوص :
1- أن الثورة تمت بدون قيادة - وإن كانت ميزة عظيمة تخلد فى التاريخ خاصة ونحن فى بداية القرن الحادى والعشرين - إلا أن ذلك مكمن خطورة فى ظل هذا العالم ذو القطبية الواحدة , فما من شك أن جميع الأطراف الخارجية ذات المصلحة سوف تسعى بأن تقتسم أكبر قدر ممكن من الكعكة مستخدمة علاقاتها ببعض الأطراف الداخلية :
- مما سيتولد عنه صراعات لا حد لها فى الداخل بين القيادات المتقاربة فى القوة والتى من الممكن بأن تعصف بمطالب الثورة على المدى البعيد.
- التخلى عن كل ما له علاقة بالنظام السابق – مستغلين الإنفعال الجماهيرى - وهو ما يعنى خسارة كبيرة لكثيرا من الكوادر وإهدار عظيم لكثير من الثروات التى ستتعرض للنهب فى ظل إنشغال الرأى العام بالحراك السياسى الحالى , أى يكون فى حد ذاته معطلا للتوجه الديمقراطى , فبدلا من ملاحقتهم يتم العفو عنهم بعد إعلان توبيتهم عن كل ما هو ماضى متلتزمين بتغيير المفاهيم والمبادى التى عملوا فى ظلها والعمل تحت مظلة الدستور وقوانين الدولة ومحترمين للمصالح العليا للدولة وإلا فإن التفسخ المجتمعى قادم لا محالة وستكون العواقب أسوا مما قبل .
- الإنشقاق والإنقسام حول الحكومة المؤقتة , سيزيد من وتيرة القلق وعدم الإستقرار السياسى الذى ستبعه إضطراب على كافة المستويات الإقتصادية والمالية والإجتماعية والخدمية إلخ .
2- أن الثورة لم تتم تحت أيدلوجية معينة سواء مسيحية أو إسلامية أو نخبة مثقفة أو إنقلاب عسكرى أو أمنى , أو مكيدة ما إلخ لكن تمت تحت المصلحة المشتركة أى أنها " ثورة جماهيرية " بالمعنى الشامل .
3- أن الثورة كسرت حاجز المفهوم الذى رسم عقلية المجتمع الدولى إتجاه العالم الإسلامى والعربى بإستثناء ماليزيا وتركيا ولو بشكل جزئى, إلا أن تلك الثورة ليست ضامنا كافيا للتحرك نحو الديمقراطية المستدامة وبناء إقصاد قوى ومتنوع مستجيبا للتغييرات الدولية .
4- القرارات التى تتخذها الحكومة المؤقتة تحت الضغط الجماهيرى والمطالب الدولية يجعلها قرارات تصبع بالنزعة العاطفية الإندفاعية بدلا من المتعقلة الموضوعية فمثلا العفو العام على كافة المساجين السياسيين وعودة كل المنفيين هو سبيل لمزيد من الإنشقاق – فى وقت الأمور هشة ومضطربة- , لأن كل منهم سيسعى لتعويض ما حل به ومدافعا عن رؤيته فالأغلبية منهم سجنوا من خلال المعارضة للنظام ولكن كل منهم له رؤية ليست بالضرورة متوافقة مع المطالب الجماهيرية .
5- إعادة النظر فى النظم القمعية الديكتاتورية فى العالم النامى وبالأخص فى العالم العربى :
- إن طول الإستبداد وقسوته مستغلا القوة الأمنية والقانون - المتمثل فى قانون الطوارىء وغيرها من القوانين الدستورية والإدارية وطرق التشريع ونظم الرقابة - لا تمنع من حدوث تلك الثورات .
- أن الأنظمة القمعية التى لا تترك التنفيس الإجتماعى - من خلال الإحتجاجات المحدودة ذات نطاق ضيق من المطالب الإصلاحية أو المادية - تكون أكثر النظم عرضة للغضب الجماهيرى المفاجىء لصعوبة التنبأ بمكان وزمان الشرارة الأولى والحقيقية للثورة , مما يصعب على أى نظام أخذ رد الفعل المناسب وهو ما حدث فى تونس .
- أن القائمين على النظم الديكتاتورية مهما بلغ منهم المكر والذكاء إلا أن الأوقات العصيبة يمكن أن تدفعهم لأخذ قرارات خاطئة ربما تكون هى فى حد ذاتها بداية سقوطهم – مثل ما فعله زين العابدين بإقالة ذراعه الأيمن وزير الداخلية - .
- أن الأطراف الخارجية غير معنية بحماية رعاياها , وقت ما تتأكد أن التابعين لها لم يعد يديرون الدفة بالشكل المطلوب , وهوما يذكرنا بالشاه ايران وغيرهم وأخرهم الرئيس المخلوع زين العابدين بن على , مما يعنى أن الجماهير يمكن أن يكون لها الصوت الأعلى إذا ما توحدت , وتقف القوى الخارجية - فى الظاهر - فى موقف المحايد الراعى الحامى للمطالب الجماهيرية .
- أن الخطأ الكبير يقع حينما يقوم الحاكم المستبد بتقليص دائرة المنتفعين من النظام على عائلته وصهره وبعض المقربين مما يزيد من سخط جميع الأطراف الغير منتفعة وهو ما حدث فى تونس , كما أن هذا يقلل من قوة النظام لأن هؤلاء هم أول من سيبادرون بالهروب حرصا على مصالحهم الخاصة .
- أن الحزب الحاكم والذى يتفشى بسببه المحسوبية و الفساد بكافة أشكاله , يكون أول قبله تعصف به أى تغيير فى الواقع السياسى , ولهذا السبب تجد القائمين عليه يوجهون الجزء الأكبر من إستثماراتهم للخارج تعبيرا للخوف والقلق الدفين من المستقبل وبمستقبل ذويهم .
- أن ذلك الحزب يجمعه ويشكل اتجاهه هو جلب المصالح الخاصة , أى ليس له قاعدة فكرية أو حجة سياسية أو إنتماء – مما يجعله كالرماد يتفكك مع أول عاصفة حقيقية .
تتمة المقال فى الصفحة1.2
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق